فصل: فَصْلٌ: (الْحُرَّةُ تَمْلِكُ جَمِيعَ مَهْرِهَا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [زواجُ الْعبدِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ]:

(وَإِنْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ عَلَى صِفَةٍ (بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) صَحَّ نِكَاحُهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ، فَإِذَا سَقَطَ حَقُّهُ سَقَطَ بِغَيْرِ خِلَافٍ. (وَلَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ وَلَوْ أَمْكَنَهُ) نِكَاحُ (حُرَّةٍ) لِأَنَّهَا تُسَاوِيهِ (وَمَتَى أَذِنَ لَهُ) سَيِّدُهُ فِي نِكَاحٍ (وَأَطْلَقَ نِكَاحَ وَاحِدَةٍ فَقَطْ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْإِطْلَاقِ. (وَيَتَّجِهُ فَلَوْ نَكَحَ) الْعَبْدُ مَعَ الْإِذْنِ الْمُطْلَقِ مِنْ سَيِّدِهِ الْقَائِلِ لَهُ: تَزَوَّجْ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِوَاحِدَةٍ وَلَا أَكْثَرَ (ثِنْتَيْنِ مَعًا) أَيْ: بِإِيجَابٍ وَاحِدٍ مِنْ وَلِيَّيْنِ أَوْ وَلِيٍّ وَاحِدٍ عَلَى نَحْوِ بِنْتِهِ وَبِنْتِ أَخِيهِ، وَقَبِلَ نِكَاحَهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ (بَطَلَ) النِّكَاحُ (فِيهِمَا) كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ نَحْوَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ عَقْدَيْنِ مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُمَا وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَبَطَلَ فِيهِمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَتَعَلَّقُ صَدَاقٌ وَنَفَقَةٌ وَكِسْوَةٌ وَمَسْكَنٌ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ) نَصًّا، سَوَاءٌ ضَمِنَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ بِرِضَى سَيِّدِهِ، فَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ كَالدَّيْنِ، فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى السَّيِّدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ كَسْبٌ وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْفَسْخُ؛ لِعَدَمِ كَسْبِ الْعَبْدِ، وَلِلسَّيِّدِ اسْتِخْدَامُهُ، وَمَنْعُهُ مِنْ الِاكْتِسَابِ، فَإِنْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ أَوْ أَعْتَقَهُ؛ لَمْ يَسْقُطْ الصَّدَاقُ عَنْهُ كَأَرْشِ جِنَايَتِهِ.
(وَ) يَتَعَلَّقُ (زَائِدٌ عَلَى مَهْرِ مِثْلٍ لَمْ يُؤْذَنْ) لِلْعَبْدِ (فِيهِ) مِنْ قِبَلِ سَيِّدِهِ بِرَقَبَتِهِ (أَوْ) أَيْ وَيَتَعَلَّقُ زَائِدًا (عَلَى مَا سُمِّيَ لَهُ بِرَقَبَتِهِ) أَيْ: الْعَبْدِ كَأَرْشِ جِنَايَتِهِ.
(وَ) إنْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ (بِلَا إذْنِهِ) أَيْ: السَّيِّدِ (فَلَا يَصِحُّ) النِّكَاحُ نَصًّا، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَالْعَهْرُ دَلِيلُ بُطْلَانِ النِّكَاحِ؛ إذْ لَا يَكُونُ عَاهِرًا مَعَ صِحَّتِهِ.
تَنْبِيهٌ:
إذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا؛ فَلَهُ ارْتِجَاعُهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ، لَا ابْتِدَاءٌ لَهُ، وَأَمَّا إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا، فَلَا يَمْلِكُ إعَادَتُهَا، إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ إعَادَةَ الْبَائِنِ لَا تَكُونُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ (وَلَوْ) كَانَ (مُبَعَّضًا)؛ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُ لَمْ تَتَمَحَّضْ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَكَذَا لَوْ عَيَّنَ لَهُ) سَيِّدُهُ (امْرَأَةً) أَذِنَ لَهُ فِي نِكَاحِهَا (أَوْ) عَيَّنَ لَهُ (بَلَدًا) أَذِنَ لَهُ فِي التَّزَوُّجِ مِنْهَا، أَوْ مِنْ جِنْسٍ مُعَيَّنٍ (فَخَالَفَ) الْعَبْدُ، وَنَكَحَ غَيْرَ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ؛ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُ؛ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ (وَيَجِبُ فِي رَقَبَتِهِ بِوَطْئِهِ) أَيْ: الْعَبْدِ فِي نِكَاحٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ سَيِّدُهُ (مَهْرُ الْمِثْلِ) كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةُ الْبُضْعِ الَّذِي أَتْلَفَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ، وَحَيْثُ تَعَلَّقَ الْمَهْرُ بِرَقَبَتِهِ (فَيَفْدِيهِ سَيِّدُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمَهْرٍ) وَاجِبٍ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ أُجْرِيَ مَجْرَى الْجِنَايَةِ (وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ) الْعَبْدُ (بِإِذْنِهِ) أَيْ: السَّيِّدِ بِأَنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَأَطْلَقَ، بِأَنْ لَمْ يَقُلْ: صَحِيحًا وَلَا فَاسِدًا (فَنَكَحَ) نِكَاحًا (فَاسِدًا) فَكَنِكَاحٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَحَصَلَتْ إصَابَةٌ، فَالْمَهْرُ عَلَى السَّيِّدِ كَإِذْنِهِ لَهُ فِي الْجِنَايَةِ. (وَمَنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ، لَزِمَهُ) أَيْ: الْعَبْدَ (مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَوْ مَعَ تَسْمِيَتِهِ) فَتَلْغُو التَّسْمِيَةُ، وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، خِلَافًا لِشَارِحِ الْوَجِيزِ، وَحَيْثُ لَزِمَهُ، ذَلِكَ فَإِنَّهُ (يُتْبَعُ) أَيْ: يَتْبَعُهُ سَيِّدُهُ (بِهِ) أَيْ: الْمَهْرِ (بَعْدَ عِتْقٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ إتْلَافُ بُضْعٍ يَخْتَصُّ بِهِ الْعَبْدُ، فَلَزِمَهُ عِوَضُهُ فِي ذِمَّتِهِ. (وَإِنْ زَوَّجَهُ سَيِّدُهُ حُرَّةً) (ثُمَّ بَاعَهُ لَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ (بِثَمَنٍ فِي ذِمَّةٍ) أَيْ: ذِمَّةِ زَوْجَةِ الْعَبْدِ (مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ) الَّذِي أَصْدَقَهُ إيَّاهَا (تَقَاصَّا بِشَرْطِهِ) بِأَنْ يَتَّحِدَ الدَّيْنَانِ جِنْسًا وَحُلُولًا أَوْ تَأْجِيلًا أَجَلًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهَا الثَّمَنُ، وَثَبَتَ لَهَا عَلَى السَّيِّدِ الْمَهْرُ؛ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ، فَإِنْ اتَّحَدَ قَدْرُهُمَا سَقَطَ، وَإِلَّا سَقَطَ بِقَدْرِ الْأَقَلِّ مِنْ الْأَكْثَرِ، وَلِرَبِّ الزَّائِدِ الطَّلَبُ بِالزِّيَادَةِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهَا عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَبَاعَهَا الْعَبْدُ بِشَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ لِمِلْكِهَا زَوْجَهَا (وَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ: الْعَبْدَ (لَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ الْعَبْدِ الْحُرَّةِ (بِمَهْرِهَا؛ صَحَّ) الْبَيْعُ (قَبْلَ دُخُولٍ وَبَعْدَهُ) لِأَنَّ الْمَهْرَ مَالٌ يَصِحُّ جَعْلُهُ ثَمَنًا لِغَيْرِ هَذَا الْعَبْدِ، فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لَهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ، وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ (وَيَرْجِعُ سَيِّدٌ) بَاعَ الْعَبْدَ لِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ (فِي فُرْقَةٍ قَبْلَ دُخُولٍ بِنِصْفِهِ) أَيْ: الْمَهْرِ، لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا تَمَّ بِالسَّيِّدِ الْقَائِمِ مَقَامَ الزَّوْجِ، فَلَمْ يَتَمَحَّضْ بِسَبَبِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا الْعَبْدُ وَنَحْوُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَانَتْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ؛ رَجَعَ عَلَيْهَا سَيِّدُهُ بِنِصْفِهِ (وَلَوْ جَعَلَ) السَّيِّدُ (الْعَبْدَ مَهْرَهَا بَطَلَ الْعَقْدُ بِهِ) لِمِلْكِهَا زَوْجَهَا وَالنِّكَاحُ لَا يُجَامِعُ الْمِلْكَ كَمَنْ زَوَّجَ ابْنَهُ، وَأَصْدَقَ عَنْهُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى الِابْنِ لَوْ مَلَكَهُ كَأَخِيهِ لِأُمِّهِ (لِأَنَّا نُقَدِّرُهُ) أَيْ: الْمِلْكَ فِي الْمَهْرِ (لِلِابْنِ) قَبْلَ الزَّوْجَةِ (ثُمَّ) يَصِيرُ (لِلزَّوْجَةِ) وَإِذَا دَخَلَ فِي مِلْكِ الِابْنِ عَتَقَ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ، بِخِلَافِ إصْدَاقِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ مِلْكُ الْخَمْرِ لَهُ؛ لَمْ يَنْفَسِخْ مِلْكُهُ فِيهِ، بِخِلَافِ مِلْكِهِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ ثُبُوتِهِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، فَيَنْفَسِخُ مِلْكُهُ فِيهِ، وَالْخَمْرُ لَا يَثْبُتُ مِلْكُهُ فِيهِ لَا حَقِيقَةً وَلَا تَقْدِيرًا، وَلَوْ فَرَضَ ثُبُوتَهُ؛ لَمْ يَنْفَسِخْ مِلْكُهُ فِيهِ؛ بِخِلَافِ مَنْ مَلَكَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ: هُنَا) أَيْ: فِي مَسْأَلَةِ إصْدَاقِ الِابْنِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ (صِحَّةُ عَقْدٍ وَعِتْقٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِ الِابْنِ لَهُ وَعِتْقِهِ عَلَيْهِ بُطْلَانُ الْعَقْدِ إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ بُطْلَانُ الصَّدَاقِ، وَالْعَقْدُ بَاقٍ عَلَى صِحَّتِهِ (وَتَرْجِعُ) الزَّوْجَةُ عَلَى زَوْجِهَا (بِقِيمَتِهِ) أَيْ: الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهَا؛ لِكَوْنِهِ عَتَقَ عَلَى الِابْنِ قَبْلَ انْتِقَالِهِ إلَيْهَا، فَإِنْ قِيلَ: مَلَكَهُ إنَّمَا نُقَدِّرُهُ بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِهَا، فَمَلَكَهَا لِكَوْنِهِ عَتْقً عَلَى الِابْنِ حَقِيقِيٌّ، وَمِلْكُهُ تَقْدِيرِيٌّ؛ قِيلَ: التَّقْدِيرِيُّ كَالْحَقِيقِيِّ فِي الْحُكْمِ، وَقَدْ يُقَالُ: مِلْكُهَا سَابِقٌ فِي الْخَارِجِ وَلِأَجْلِهِ قَدَّرْنَا مِلْكَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْعَقْدِ. أَفَادَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ.

.فَصْلٌ: [الْحُرَّةُ تَمْلِكُ جَمِيعَ مَهْرِهَا]:

(وَتَمْلِكُ زَوْجَةٌ) حُرَّةٌ وَسَيِّدٌ أَمَةً (بِعَقْدٍ جَمِيعَ) مَهْرِهَا (الْمُسَمَّى) حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( «إنْ أَعْطَيْتهَا إزَارَك جَلَسْت وَلَا إزَارَ لَك») فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ كُلَّهُ لِلْمَرْأَةِ، وَلَا يَبْقَى لِلرَّجُلِ فِيهِ شَيْءٌ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْلِكُ بِهِ الْعِوَضَ، فَتَمْلِكُ بِهِ الْعِوَضَ كَامِلًا كَالْبَيْعِ، وَسُقُوطُ نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ جَمِيعِهِ بِالْعَقْدِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ ارْتَدَّتْ سَقَطَ جَمِيعُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَلَكَتْ نِصْفَهُ (وَلَوْ) كَانَ الْمُسَمَّى (مُبْهَمًا) وَيُسْتَخْرَجُ بِالْقُرْعَةِ. (وَلَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (نَمَاءُ) مَهْرٍ (مُعَيَّنٍ) مُتَّصِلًا كَانَ أَوْ مُنْفَصِلًا (وَيَتَّجِهُ: بَلْ وَ) لَهَا نَمَاءُ الْمَهْرِ (الْمُبْهَمِ) فَتَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ عَلَى قَوْلٍ الْمَذْهَبُ خِلَافُهُ، مِثَالُ الْمُعَيَّنِ (كَعَبْدٍ وَدَارٍ) مُعَيَّنَيْنِ (وَ) تَمْلِكُ (التَّصَرُّفَ فِيهِ) مِنْ حِينِ عَقَدَ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا فَكَانَ لَهَا كَسَائِرِ أَمْلَاكِهَا. (وَزَكَاتُهُ) أَيْ: الْمُعَيَّنِ (وَضَمَانُهُ وَنَقْصُهُ عَلَيْهَا) سَوَاءٌ قَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْمِلْكِ، فَإِنْ زَكَّتْهُ ثُمَّ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ كَانَ ضَمَانُ الزَّكَاةِ كُلِّهَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ مَلَكَتْهُ بِالْبَيْعِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَمْنَعْهَا قَبْضُهُ) فَإِنْ مَنَعَهَا قَبْضَهُ، فَإِنَّهُ (يَضْمَنُ) مَا تَلِفَ مِنْهُ بِغَيْرِ فِعْلِهَا، وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ إنْ تَعَيَّبَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَالْغَاصِبِ بِالْمَنْعِ؛ وَإِنْ زَادَ فَالزِّيَادَةُ لَهَا، وَإِنْ نَقَصَ فَالنَّقْصُ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِ نِصْفِهِ نَاقِصًا، وَبَيْنَ أَخْذِ نِصْفِ قِيمَةِ أَكْثَرِ مَا كَانَتْ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا زَادَ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَالزِّيَادَةُ لَهَا، وَإِنْ نَقَصَ فَالنَّقْصُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ، وَإِلَّا أَنْ يَتْلَفَ الصَّدَاقُ الْمُعَيَّنُ بِفِعْلِهَا، فَيَكُونُ إتْلَافُهُ قَبْضًا مِنْهَا، وَيَسْقُطُ عَنْهُ ضَمَانُهُ كَالْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ يُتْلِفُهُ الْمُشْتَرِي.
(وَ) الصَّدَاقُ (غَيْرُ الْمُعَيَّنِ كَقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ) وَرِطْلٍ مِنْ زُبْرَةِ حَدِيدٍ أَوْ دَنِّ زَيْتٍ أَوْ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ وَنَحْوِهِ (لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهَا) إلَّا بِقَبْضِهِ (وَلَا تَمْلِكُ تَصَرُّفًا فِيهِ) بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ. (وَيَتَّجِهُ: بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَلَوْ) كَانَ تَصَرُّفُهَا (بِعِتْقٍ) لِعَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ سُمِّيَ لَهَا فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ مَلَكَتْهُ بِالْعَقْدِ فَلَيْسَ لَهَا عِتْقُهُ قَبْلَ التَّعْيِينِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ: خِلَافًا لِلْقَاضِي؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: إنَّ مَا لَا يُنْتَقَضُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ كَالْمَهْرِ وَعِوَضِ الْخُلْعِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَظَاهِرُهُ لَهَا التَّصَرُّفُ فِي مَهْرِهَا غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَاَلَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ (إلَّا بِقَبْضِهِ) إذَا كَانَ قَفِيزًا وَنَحْوَهُ مِمَّا يُحْتَاجُ لِحَقِّ تَوْفِيَةٍ (أَوْ تَعْيِينِهِ) إذَا كَانَ عَبْدًا وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ (كَمَبِيعٍ) فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ إنْ احْتَاجَ لِحَقِّ تَوْفِيَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَحَوْلُهُ مِنْ التَّعْيِينِ، بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ فَحَوْلُهُ مِنْ الْعَقْدِ، وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ. (وَمَنْ أَقَبَضَهُ) أَيْ: الصَّدَاقَ الَّذِي تَزَوَّجَ عَلَيْهِ (ثُمَّ طَلَّقَ) الزَّوْجَةَ (وَنَحْوَهُ) كَخُلْعِهِ إيَّاهَا أَوْ رِدَّتِهِ (قَبْلَ دُخُولٍ) بِهَا (مَلَكَ نِصْفَهُ) أَيْ: الصَّدَاقِ (قَهْرًا) وَلَوْ لَمْ يَخْتَرْ تَمَلُّكَهُ كَمِيرَاثٍ؛ فَمَا يَحْدُثُ مِنْ نَمَائِهِ بَعْدَ طَلَاقِهِ؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} أَيْ: لَكُمْ أَوْ لَهُنَّ، فَاقْتَضَى أَنَّ النِّصْفَ لَهَا، وَالنِّصْفَ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْفُرْقَةِ (إنْ بَقِيَ) فِي مِلْكِهَا (بِصِفَتِهِ) حِينَ عَقْدٍ، بِأَنْ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ (وَلَوْ) كَانَ الْبَاقِي (النِّصْفَ) مِنْ الصَّدَاقِ (فَقَطْ مَشَاعًا) بِأَنْ أَصْدَقَهَا بِنَحْوِ عَبْدٍ، فَبَاعَتْ نِصْفَهُ وَبَقِيَ نِصْفُهُ بِصِفَتِهِ، فَطَلَّقَهَا فَيَمْلِكُهُ مَشَاعًا (أَوْ) كَانَ النِّصْفُ الْبَاقِي (مُعَيَّنًا مِنْ مُنْتَصَفٍ بَاقٍ فِي مِلْكِهَا) كَأَنْ أَصْدَقَهَا صُبْرَةً فَأَكَلَتْ أَوْ بَاعَتْ وَنَحْوَهُ نِصْفَهَا، وَبَقِيَ بِمِلْكِهَا نِصْفُهَا، فَيَمْلِكُهُ الزَّوْجُ بِطَلَاقِهَا، وَيَأْخُذُهُ، كَمَا لَوْ قَاسَمَتْهُ عَلَيْهِ. (أَوْ) كَانَ الصَّدَاقُ (صَيْدًا) ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ (وَهُوَ مُحْرِمٌ) دَخَلَ نِصْفُهُ فِي مِلْكِهِ ضَرُورَةً كَإِرْثٍ (فَلَهُ إمْسَاكُهُ) بِيَدِهِ الْحُكْمِيَّةِ؛ لَا الْمُشَاهَدَةِ (وَهُوَ) أَيْ: دُخُولُ نِصْفِهِ فِي مِلْكِهِ (خِلَافَ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا (فِي) بَابِ (مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ) عَنْ الصَّيْدِ: لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُحْرِمِ بِغَيْرِ الْإِرْثِ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِتَمَلُّكِهِ، وَيَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ لِئَلَّا تُثْبِتَ يَدُهُ الْمُشَاهَدَةَ عَلَيْهِ (وَيَمْنَعُ ذَلِكَ) أَيْ: الرُّجُوعُ فِي عَيْنِ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَإِنْ طَلَّقَ وَنَحْوُهُ قَبْلَ دُخُولٍ، وَكَذَا يُمْنَعُ الرُّجُوعُ فِي جَمِيعِهِ إذَا سَقَطَ (بَيْعٌ) بِأَنْ بَاعَتْ الزَّوْجَةُ الصَّدَاقَ (وَلَوْ مَعَ خِيَارِهَا) فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ الْمِلْكَ، (وَ) يَمْنَعُهُ (هِبَةً أُقْبِضَتْ) فَإِنْ وَهَبَتْهُ، وَلَمْ تَقْبِضْهُ حَتَّى طَلَّقَ وَنَحْوَهُ؛ رَجَعَ بِنِصْفِهِ، (وَ) وَيَمْنَعُهُ (عِتْقٌ) بِأَنْ كَانَ رَقِيقًا فَأَعْتَقَتْهُ؛ لِزَوَالِ مِلْكِهَا عَنْهُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ (وَ) يَمْنَعُهُ (رَهْنٌ) أُقْبِضَ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْبَيْعِ الْمُزِيلِ لِلْمِلْكِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ رَهْنُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ (وَ) يَمْنَعُهُ (كِتَابَةٌ)؛ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلْعِتْقِ الْمُزِيلِ لِلْمِلْكِ، وَهِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ فَجَرَتْ مَجْرَى الرَّهْنِ وَ(لَا) يَمْنَعُهُ (عَقْدٌ جَائِزٌ) كَشَرِكَةٍ وَمُضَارَبَةٍ وَإِيدَاعٍ وَإِعَارَةٍ. (وَلَا) يَمْنَعُهُ (إجَارَةٌ وَتَدْبِيرٌ وَتَزْوِيجُ) رَقِيقٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ، وَلَا تَمْنَعُ الْمَالِكَ مِنْ التَّصَرُّفِ؛ فَلَا يَمْنَعُ الزَّوْجُ الرُّجُوعَ، لَكِنْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الرُّجُوعِ فِي نِصْفِهِ نَاقِصًا، وَبَيْنَ الرُّجُوعِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ فِي الصَّدَاقِ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَجَعَ الزَّوْجُ فِي نِصْفِ الْمُسْتَأْجَرِ صَبَرَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْإِجَارَةُ، وَلَا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ، فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ إبْطَالُهَا (وَلَا) يُمْنَعُ الرُّجُوعُ (إنْ عَادَ) الصَّدَاقُ (لِمِلْكِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ (حَالَ طَلَاقٍ) بَلْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ إنْ اخْتَارَ ذَلِكَ لَكِنْ لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْعَوْدُ فِي مِلْكِهَا حَالَ طَلَاقِهِ إيَّاهَا (مِلْكُ زَوْجٍ قَهْرًا) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَاقِيًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهَا عَنْهُ. (وَمَنْ طَلَّقَ) زَوْجَتَهُ (وَكَانَ الصَّدَاقُ قَدْ زَادَ) بِيَدِهَا (زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً) كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ، ثُمَّ طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ (رَجَعَ فِي نِصْفِ الْأَصْلِ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَمْكَنَ الرُّجُوعُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى أَحَدٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُهُ (وَالزِّيَادَةُ) الْمُنْفَصِلَةُ (لَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهَا (وَلَوْ كَانَتْ) الزِّيَادَةُ (وَلَدَ أَمَةٍ)؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ، وَلَا تَفْرِيقَ هُنَا لِبَقَاءِ مِلْكِ الزَّوْجَةِ فِي النِّصْفِ (وَإِنْ كَانَتْ) الزِّيَادَةُ فِي الصَّدَاقِ (مُتَّصِلَةً) كَسَمْنٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ (وَهِيَ) أَيْ: الزَّوْجَةُ (غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهَا، خُيِّرَتْ بَيْنَ دَفْعِ نِصْفِهِ زَائِدًا) وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهَا دَفَعَتْ إلَيْهِ حَقَّهُ وَزِيَادَةً لَا تَتَمَيَّزُ وَلَا تَضُرُّهُ (وَبَيْنَ دَفْعِ نِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعَقْدِ إنْ كَانَ) الصَّدَاقُ (مُتَمَيِّزًا) كَعَبْدٍ وَبَعِيرٍ مُعَيَّنَيْنِ؛ لِدُخُولِ التَّمَيُّزِ فِي ضَمَانِهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، فَتُعْتَبَرُ صِفَتُهُ وَقْتَهُ، وَإِنَّمَا صُيِّرَ إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهَا، وَلَا يَلْزَمُهَا بَذْلُهَا، وَلَا يُمْكِنُهَا دَفْعُ الْأَصْلِ بِدُونِ زِيَادَةٍ (وَغَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ الْمُتَمَيِّزِ بِأَنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ أَوْ فَرَسًا مِنْ خَيْلِهِ إذَا زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً وَتَنَصَّفَ الصَّدَاقُ (لَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (قِيمَةُ نِصْفِهِ يَوْمَ فُرْقَةٍ عَلَى أَدْنَى صِفَةٍ مِنْ) وَقْتِ (عَقْدٍ إلَى) وَقْتِ (قَبْضٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهَا إلَّا بِقَبْضِهِ فَمَا نَقَصَ قَبْلَ ذَلِكَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهَا (وَالزَّوْجَةُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا) إذَا زَادَ الصَّدَاقُ ثُمَّ تَنَصَّفَ (لَا تُعْطِيهِ) يَعْنِي لَا يُعْطِيهِ وَلِيُّهَا (إلَّا نِصْفَ الْقِيمَةِ حَالَ عَقْدٍ فِي) صَدَاقٍ (مُتَمَيِّزٍ، وَ) يُعْطِيهِ وَلِيُّهَا نِصْفَ الْقِيمَةِ (عَلَى أَدْنَى صِفَةٍ) مِنْ قَبْضٍ إلَى عَقْدٍ فِي صَدَاقٍ غَيْرِهِ أَيْ: غَيْرِ الْمُتَمَيِّزِ. (وَإِنْ نَقَصَ) الصَّدَاقُ (بِغَيْرِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ) كَعَبْدٍ عَمِيَ أَوْ عَرَجَ أَوْ نَسِيَ صَنْعَتَهُ أَوْ جَنَى أَوْ نَبَتَتْ لِحْيَتَهُ، وَكَانَ أَمْرَدَ، ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ (خُيِّرَ زَوْجٌ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بَيْنَ أَخْذِهِ) أَيْ: النِّصْفِ (نَاقِصًا) وَتُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ (وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ) أَيْ: النِّصْفِ فِي نَظِيرِ نَقْصِهِ نَصًّا لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِأَخْذِهِ نَاقِصًا مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ، فَلَا يَلْزَمُهَا لَهُ أَرْشٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْنُ مَالِهِ الْمَفْرُوضِ، وَلَوْ أَوْجَبْنَا لَهُ أَرْشًا مَعَ النِّصْفِ، لَكُنَّا قَدْ أَوْجَبْنَا لِلزَّوْجَةِ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ الْمَفْرُوضِ، فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ (وَبَيْنَ أَخْذِ نِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ عُقِدَ إنْ كَانَ) الصَّدَاقُ (مُتَمَيِّزًا)؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ (وَغَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ الْمُتَمَيِّزِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ (يَوْمَ الْفُرْقَةِ عَلَى أَدْنَى صِفَةٍ مِنْ عَقْدٍ إلَى قَبْضٍ). مِثَالُ ذَلِكَ لَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَخْرَجَ بِقُرْعَةٍ وَأَقْبَضَهُ لَهَا أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ، ثُمَّ تَنَصَّفَ بِطَلَاقٍ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ حِينَ الْعَقْدِ مِائَةً، وَفِي نِصْفِ رَمَضَانَ سِتِّينَ لِنَقْصِهِ بِهُزَالٍ وَنَحْوِهِ، وَحِينَ الْقَبْضِ مِائَةً وَعِشْرِينَ؛ فَالْوَاجِبُ لَهُ ثَلَاثُونَ؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ عَلَى أَدْنَى صِفَاتِهِ الْمَذْكُورَةِ، وَلِأَنَّهُ فِي ضَمَانِ الزَّوْجِ إلَى قَبْضِ الزَّوْجَةِ إيَّاهُ، وَلَهُ أَخْذُ نِصْفِهِ نَاقِصًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَقَدْ رَضِيَ بِتَرْكِهِ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا يَأْخُذُ وَلِيُّهُ إلَّا نِصْفَ الْقِيمَةِ، لِأَنَّ الْحَظَّ لَهُ (وَإِنْ اخْتَارَهُ) أَيْ: اخْتَارَ الزَّوْجُ أَخْذَ نِصْفِ الْمَهْرِ (نَاقِصًا بِجِنَايَةٍ) عَلَيْهِ كَأَنْ فُقِئَتْ عَيْنُهُ وَنَحْوُهُ بِجِنَايَةٍ (فَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (مَعَ) أَيْ: أَخْذِ نِصْفِهِ نَاقِصًا بِالْجِنَايَةِ (نِصْفُ أَرْشِهَا) أَيْ: الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي نَظِيرِ مَا ذَهَبَ مِنْهُ. (وَإِنْ زَادَ) الصَّدَاقُ (مِنْ وَجْهٍ وَنَقَصَ مِنْ) وَجْهٍ (آخَرَ كَتَعَلُّمِ) عَبْدٍ (صَنْعَةً) أُخْرَى وَمَصُوغٍ كَسَرَتْهُ وَأَعَادَتْهُ صِيَاغَةً أُخْرَى (فَلِكُلٍّ) مِنْهُمَا (الْخِيَارُ) فَإِنْ شَاءَ الزَّوْجُ أَخَذَ نِصْفَهُ نَاقِصًا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقِيمَةَ، وَإِنْ شَاءَتْ الزَّوْجَةُ دَفَعَتْ نِصْفَهُ زَائِدًا أَوْ نِصْفَ قِيمَتِهِ. (وَيُقَدَّمُ خِيَارُ مَنْ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ) مِنْهُمَا كَشَفَقَةِ الرَّقِيقِ عَلَى أَطْفَالِ مَالِكِهِ، وَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ (وَحَمْلٌ) حَدَثَ (فِي أَمَةٍ نَقْصٌ، وَ) حَمْلٌ (فِي بَهِيمَةٍ زِيَادَةٌ)؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي قِيمَةِ الْبَهَائِمِ وَيُنْقِصُ قِيمَةَ الْإِمَاءِ (مَا لَمْ يَفْسُدْ اللَّحْمُ) فَيَكُونُ نَقْصًا أَيْضًا فِي الْبَهِيمَةِ (وَزَرْعٌ) نَقْصٌ لِأَرْضٍ (وَغَرْسٌ نَقْصٌ لِأَرْضٍ) وَحَرْثُهَا زِيَادَةٌ مَحْضَةٌ (وَلَا أَثَرَ لِكَسْرِ مَصُوغٍ وَإِعَادَتِهِ كَمَا كَانَ) فَإِنْ عَادَ عَلَى غَيْرِ هَيْئَتِهِ، فَزَادَ أَوْ نَقَصَ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَلَا) أَثَرَ (لِسَمْنٍ زَالَ ثُمَّ عَادَ وَلَا) أَثَرَ (لِارْتِفَاعِ سُوقٍ وَنُزُولِهِ)؛ لِأَنَّهُ وَجَدَهُ بِصِفَتِهِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَلَا أَثَرَ لِنَقْلِهَا الْمِلْكَ فِيهِ إذَا كَانَ طَلَّقَهَا بَعْدَ أَنْ عَادَ لِمِلْكِهَا. (وَإِنْ تَلِفَ) الصَّدَاقُ بَعْدَ قَبْضِهِ كَمَوْتِهِ وَإِحْرَاقِهِ (أَوْ اُسْتُحِقَّ بِدَيْنٍ فِي حَجْرٍ عَلَيْهَا لِفَلَسٍ) أَيْ: كَمَا إذَا أَفْلَسَتْ الْمَرْأَةُ وَحَجَرَ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا، ثُمَّ طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ دُخُولٍ إنْ لَمْ يَبْقَ الصَّدَاقُ بِعَيْنِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ رُجُوعُ الزَّوْجِ بِنِصْفِهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَجْرِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي (رَجَعَ) زَوْجٌ (فِي) صَدَاقٍ (مِثْلِيٍّ بِنِصْفِ مِثْلِهِ، وَ) رَجَعَ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ الْمِثْلِيِّ وَهُوَ الْمُتَقَوِّمُ بِنِصْفِ قِيمَةٍ مُتَمَيِّزٌ يَوْمَ عُقِدَ، رَجَعَ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ: الْمُتَمَيِّزِ إذَا كَانَ مُتَقَوِّمًا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ (يَوْمَ فُرْقَةٍ عَلَى أَدْنَى صِفَةٍ مِنْ عَقْدٍ إلَى قَبْضٍ) وَيُشَارِكُ بِمَا يَرْجِعُ بِهِ الْغُرَمَاءُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ. (وَلَوْ) كَانَ الصَّدَاقُ (ثَوْبًا فَصَبَغَتْهُ) الزَّوْجَةُ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ ثُمَّ تَنَصَّفَ الصَّدَاقُ (أَوْ) كَانَ (أَرْضًا فَبَنَتْهَا) ثُمَّ تَنَصَّفَ الصَّدَاقُ (فَبَذَلَ الزَّوْجُ) لَهَا (قِيمَةٌ زَائِدَةٌ) أَيْ: قِيمَةَ زِيَادَةِ نِصْفِ الثَّوْبِ بِالصَّبْغِ أَوَقِيمَة زِيَادَةِ نِصْفِ الْأَرْضِ بِالْبِنَاءِ (لِيَمْلِكَهُ) أَيْ: النِّصْفَ مِنْ الثَّوْبِ مَصْبُوغًا أَوْ مِنْ الْأَرْضِ مَبْنِيًّا (فَلَهُ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ بِذَلِكَ ضَرَرَ الشَّرِكَةِ عَنْهُ، كَالشَّفِيعِ وَالْمُؤَجِّرِ وَالْمُعِيرِ إذَا بَذَلَ قِيمَةَ مَا بِالْأَرْضِ مِنْ الْبِنَاءِ وَتَمَلَّكَهُ، وَكَذَا لَوْ غُرِسَتْ الْأَرْضُ، وَإِنْ بَذَلَتْ لَهُ النِّصْفَ بِزِيَادَتِهِ لَزِمَ الزَّوْجَ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهَا زَادَتْهُ خَيْرًا. (وَإِنْ نَقَصَ) الْمَهْرُ (فِي يَدِهَا بَعْدَ تَنَصُّفِهِ؛ ضَمِنَتْ نَقْصَهُ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ فَرَّطَتْ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ طَلَبَهُ وَمَنَعَتْهُ قَبْضَهُ (أَوْ لَا)، مُتَمَيِّزًا كَانَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ؛ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهَا، فَتَضْمَنُ نَقْصَهُ وَتَلَفَهُ. (وَمَا قُبِضَ مِنْ) مَهْرٍ (مُسَمًّى بِذِمَّتِهِ) كَعَبْدٍ مَوْصُوفٍ فِي ذِمَّتِهِ (كـَ) صَدَاقٍ (مُعَيَّنٍ) بِعَقْدٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بِالْقَبْضِ عَيْنًا، فَصَارَ كَمَا لَوْ عَيَّنَهُ بِالْعَقْدِ (إلَّا أَنَّهُ) لَا تَرْجِعُ هِيَ أَوْ وَلِيُّهَا عَلَى زَوْجٍ بِنَمَائِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُهُ إلَّا بِقَبْضِهِ (وَيُعْتَبَرُ فِي تَقْوِيمِهِ) أَيْ: مَا قَبَضَ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ (صِفَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ)؛ لِأَنَّهُ وَقَّتَ مِلْكَهَا لَهُ، وَمَتَى بَقِيَ مَا قَبَضَتْهُ إلَى حِينِ تَنَصُّفِهِ وَجَبَ رَدُّ نِصْفِهِ بِعَيْنِهِ (وَاَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) فِي قَوْله تَعَالَى: {إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (الزَّوْجُ) لَا وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَلِيُّ الْعُقْدَةِ الزَّوْجُ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَرَوَاهُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَلِيٍّ وَرَوَاهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَلِأَنَّ الزَّوْجَ بَعْدَ الْعَقْدِ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَطْعِهِ وَفَسْخِهِ وَإِمْسَاكِهِ، وَلَيْسَ إلَى الْوَلِيِّ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قَالَ: «وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى» وَالْعَفْوُ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى عَفْوُ الزَّوْجِ عَنْ حَقِّهِ، وَأَمَّا عَفْوُ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ عَنْ مَالِهَا فَلَيْسَ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، وَلِأَنَّ الْمَهْرَ مَالٌ لِلزَّوْجَةِ فَلَا يَمْلِكُ الْوَلِيُّ إسْقَاطَهُ كَغَيْرِهِ مِنْ أَمْوَالِهَا وَحُقُوقِهَا، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الْعُدُولَ عَنْ خِطَابِ الْحَاضِرِ إلَى خِطَابِ الْغَائِبِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ}. (فَإِنْ) (طَلَّقَ) زَوْجٌ (قَبْلَ دُخُولٍ) بِهَا (فَأَيُّهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (عَفَا لِصَاحِبِهِ عَمَّا وَجَبَ) أَيْ: اسْتَقَرَّ (لَهُ) بِالطَّلَاقِ (مِنْ) نِصْفِ (مَهْرٍ) عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا (وَهُوَ) أَيْ: الْعَافِي (جَائِزُ التَّصَرُّفِ) بِأَنْ كَانَ مُكَلَّفًا رَشِيدًا (بَرِئَ مِنْهُ صَاحِبُهُ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (فَتَصِحُّ هِبَةٌ بِلَفْظِ عَفْوٍ) إذَا كَانَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ دَيْنًا (وَكَذَا) تَصِحُّ (بِلَفْظِ إسْقَاطٍ وَ) لَفْظِ (صَدَقَةٍ وَ) لَفْظِ تَرْكٍ وَلَفْظِ (إبْرَاءٍ) وَلَا يُفْتَقَرُ فِي إسْقَاطِهِ إلَى قَبُولٍ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ عَيْنًا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَ(لِمَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ) أَنْ يَعْفُوَ بِلَفْظِ الْعَفْوِ وَالْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ، وَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَالْإِسْقَاطِ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُ ذَلِكَ أَصَالَةً، وَإِنْ عَفَا غَيْرُ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ، زَوْجًا كَانَ الْعَافِي أَوْ زَوْجَةً، صَحَّ الْعَفْوُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا.
تَنْبِيهٌ:
يَفْتَقِرُ لُزُومُ الْعَفْوِ عَنْ الْعَيْنِ مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ إلَى الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هِبَةٌ حَقِيقِيَّةٌ، وَلَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَالْقَبْضُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ. (وَلَا عَفْوَ لِأَبٍ وَلَا غَيْرِهِ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (عَنْ مَهْرِ مَحْجُورَةٍ) إذَا طَلُقَتْ، وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ كَثَمَنِ مَبِيعِهَا. (وَلَوْ أَسْقَطَتْهُ) أَيْ: الْمَهْرَ (عَنْهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (ثُمَّ طَلُقَتْ) قَبْلَ دُخُولٍ؛ (أَوْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ دُخُولٍ رَجَعَ) الزَّوْجُ عَلَيْهَا (فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأُولَى) وَهِيَ مَا إذَا طَلُقَتْ بَعْدَ أَنْ أَسْقَطَتْهُ عَنْهُ (بِبَدَلِ نِصْفِهِ) أَيْ الصَّدَاقِ.
(وَ) رَجَعَ عَلَيْهَا (فِي) الْمَسْأَلَةِ (الثَّانِيَةِ) وَهِيَ مَا إذَا ارْتَدَّتْ بَعْدَ أَنْ أَسْقَطَتْ عَنْهُ صَدَاقَهَا (بِبَدَلِ جَمِيعِهِ)؛ لِأَنَّ عَوْدَ نِصْفِ الصَّدَاقِ أَوْ كُلِّهِ إلَى الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الرِّدَّةِ، وَهُمَا غَيْرُ الْجِهَةِ الْمُسْتَحَقِّ بِهَا الصَّدَاقُ أَوَّلًا؛ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَبْرَأَ إنْسَانٌ آخَرَ مِنْ دَيْنٍ، ثُمَّ ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ (كَعَوْدِهِ) أَيْ: الصَّدَاقِ (إلَيْهِ) أَيْ: الزَّوْجِ مِنْ زَوْجَتِهِ (بِبَيْعٍ) ثُمَّ يُطَلِّقُهَا أَوْ تَرْتَدُّ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِبَدَلِ النِّصْفِ فِي صُورَةِ تَنَصُّفِهِ، أَوْ بِكُلِّهِ فِي صُورَةِ إسْقَاطِهِ (أَوْ هِبَتِهَا الْعَيْنَ) أَيْ: وَكَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا عَيْنًا، فَوَهَبَتْهَا (لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ وَهَبَهَا) الْأَجْنَبِيُّ (لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ ارْتَدَّتْ، فَلَهُ الرُّجُوعُ بِبَدَلِ نِصْفِهَا أَوْ كُلِّهَا. (وَلَوْ وَهَبَتْهُ) أَيْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ الزَّوْجَ (نِصْفَهُ) أَيْ الصَّدَاقِ (ثُمَّ تَنَصَّفَ) بِطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ (رَجَعَ) الزَّوْجُ (فِي النِّصْفِ الْبَاقِي) كُلِّهِ؛ لِوُجُوبِهِ لَهُ بِالطَّلَاقِ كَمَا لَوْ وَهَبَتْهُ غَيْرَهُ. (وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ) أَيْ: أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا (مُفَوَّضَةٌ) وَهِيَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا شَاءَتْ أَوْ شَاءَ زَيْدٌ (مِنْ مَهْرٍ) صَحَّ (أَوْ) أَبْرَأَتْهُ مُفَوَّضَةٌ (مِنْ بُضْعٍ) وَهُوَ مَنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ صَدَاقٍ مِنْ الْمَهْرِ؛ صَحَّ؛ (أَوْ) أَبْرَأَتْ (مَنْ سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ فَاسِدٌ) كَالْخَمْرِ وَالْمَجْهُولِ مِنْ الْمَهْرِ (صَحَّ) الْإِبْرَاءُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ؛ لِانْعِقَادِ سَبَبِ وُجُوبِهِ، وَهُوَ عَقْدُ النِّكَاحِ؛ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ بَعْدَ الْجُرْحِ وَقَبْلَ الزَّهُوقِ (فَإِنْ طَلُقَتْ) الْمُفَوَّضَةُ أَوْ مَنْ سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ فَاسِدٌ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ وَ(قَبْلَ الدُّخُولِ؛ رَجَعَ) الْمُطَلِّقُ عَلَيْهَا (بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ) لِأَنَّهُ الَّذِي وَجَبَ بِالْعَقْدِ؛ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ الْمُسَمَّى، ثُمَّ طَلَّقَهَا، (فَإِنْ كَانَتْ الْبَرَاءَةُ مِنْ نِصْفِهِ) ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ (رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ الْبَاقِي) بَعْدَ النِّصْفِ السَّاقِطِ بِالْبَرَاءَةِ، وَلِلْمُفَوَّضَةِ عَلَيْهِ الْمُتْعَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَتِّعُوهُنَّ} فَأَوْجَبَ لَهَا الْمُتْعَةَ بِالطَّلَاقِ، وَهِيَ إنَّمَا وَهَبَتْهُ مَهْرَ الْمِثْلِ؛ فَلَا تَدْخُلُ الْمُتْعَةُ فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُهَا قَبْلَ الْفُرْقَةِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ مَا لَمْ يَجِبْ؛ كَمَنْ أَسْقَطَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الْبَيْعِ، خِلَافًا لِلْإِقْنَاعِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا مُتْعَةَ لَهَا. (أَوْ) أَيْ: وَإِنْ ارْتَدَّتْ مَنْ وَهَبَتْ زَوْجَهَا الصَّدَاقَ، أَوْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ رَجَعَ عَلَيْهَا بِالصَّدَاقِ (كُلِّهِ عِنْدَ ارْتِدَادٍ) لِعَوْدِهِ إلَيْهِ بِذَلِكَ، وَكَمَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ لَوْ تَنَصَّفَ. وَلَوْ كَاتَبَ إنْسَانٌ عَبْدًا، ثُمَّ أَسْقَطَ عَنْهُ مَالَ الْكِتَابَةِ بَرِئَ الْمُكَاتَبُ وَعَتَقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْكِتَابَةِ، قَالَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ. (وَلَا يَرْجِعُ مُكَاتَبٌ أُبْرِئَ) أَيْ: أَبْرَأَهُ سَيِّدُهُ عَلَى سَيِّدِهِ (بِقَدْرِ مَا يَلْزَمُ إيتَاؤُهُ) وَهُوَ رُبُعُ مَالِ الْكِتَابَةِ (لَهُ) أَيْ: الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَهُ عَنْهُ قَامَ مَقَامَ الْإِيتَاءِ، وَكَذَا لَوْ أَسْقَطَ السَّيِّدُ عَنْ الْمُكَاتَبِ الرُّبُعَ، وَاسْتَوْفَى الْبَاقِيَ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ؛ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ. (وَلَوْ تَبَرَّعَ) قَرِيبٌ أَوْ (أَجْنَبِيٌّ بِأَدَاءِ مَهْرٍ) عَنْ زَوْجٍ، ثُمَّ تَنَصَّفَ بِنَحْوِ طَلَاقٍ، أَوْ سَقَطَ بِنَحْوِ رِدَّةٍ قَبْلَ دُخُولٍ (فَالرَّاجِعُ) مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ أَوْ كُلِّهِ (لِلزَّوْجِ) لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ وَهَبَ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ بِقَضَائِهِ عَنْهُ، فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقُ بِغَيْرِ الْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ كَانَ لِلزَّوْجِ، كَمَا لَوْ أَدَّاهُ مِنْ مَالِهِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ: الصَّدَاقِ فِيمَا ذُكِرَ (أَدَاءُ ثَمَنٍ) عَنْ مُشْتَرٍ تَبَرُّعًا (ثُمَّ يُفْسَخُ) الْبَيْعُ (لِعَيْبٍ) أَوْ تَقَايُلٍ وَنَحْوِهِ؛ فَالرَّاجِعُ مِنْ ثَمَنٍ لِمُشْتَرٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَوْ أَدَّاهُ) أَيْ: الْمَهْرَ قَرِيبٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ عَنْ زَوْجٍ وَكَانَ (؛ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ بِهِ) بِذَلِكَ (أَوْ) أَدَّى عَنْ (مَنْ يَلْزَمُهُ) إعْفَافُهُ لِفَقْرِهِ وَوُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ تَنَصَّفَ الصَّدَاقُ بِنَحْوِ طَلَاقٍ، أَوْ سَقَطَ كُلُّهُ بِنَحْوِ رِدَّةٍ قَبْلَ دُخُولٍ (فَالرَّاجِعُ) مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ أَوْ كُلِّهِ (لِمُؤَدٍّ. قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ) وَهُوَ كَمَا قَالَ. (وَلَوْ خَالَعَهَا) الزَّوْجُ (بِنِصْفِ صَدَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ؛ صَحَّ) ذَلِكَ (وَصَارَ لَهُ الصَّدَاقُ كُلُّهُ، نِصْفُهُ لَهُ بِالْخُلْعِ وَنِصْفُهُ بِالْفُرْقَةِ) عِوَضًا لَهُ، (وَ) إنْ خَالَعَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ (عَلَى مِثْلِ نِصْفِ الصَّدَاقِ فِي ذِمَّتِهَا) وَكَانَتْ لَمْ تَقْبِضْ الصَّدَاقَ مِنْهُ؛ صَحَّ ذَلِكَ، وَ(يَسْقُطُ الْكُلُّ) أَيْ: كُلُّ الصَّدَاقِ (نِصْفُهُ بِالْفُرْقَةِ، وَنِصْفُهُ بِالْمُقَاصَّةِ) حَيْثُ وُجِدَتْ بِشُرُوطِهَا، وَإِنْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ قَبْضِ الصَّدَاقِ: اخْلَعْنِي بِمَا يُسَلَّمُ لِي مِنْ صَدَاقِي، أَوْ اخْلَعْنِي عَلَى أَنْ لَا تَبِعَةَ عَلَيْك فِي الْمَهْرِ، فَفَعَلَ، صَحَّ الْخُلْعُ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى سُؤَالِهَا الْخُلْعَ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ، وَبَرِئَ الزَّوْجُ مِنْ جَمِيعِهِ، نِصْفُهُ بِالْخُلْعِ، وَنِصْفُهُ لِجَعْلِهِ عِوَضًا لَهُ فِيهِ، (وَ) إنْ خَالَعَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِمِثْلِ جَمِيعِ الصَّدَاقِ فِي ذِمَّتِهَا، أَوْ خَالَعَهَا (بِصَدَاقِهَا كُلِّهِ) صَحَّ الْخُلْعُ؛ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ، وَ(يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ) وَيَسْقُطُ عَنْهُ الصَّدَاقُ لِمَا تَقَدَّمَ.

.فَصْلٌ: [سقُوطُ الصَّدَاقِ بِفُرْقَةِ اللِّعَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ]:

(يَسْقُطُ الصَّدَاقُ كُلُّهُ) وَلَا تَجِبُ مُتْعَةٌ بَدَلًا عَنْهُ (بِفُرْقَةِ لِعَانٍ) قَبْلَ دُخُولٍ، لِكَوْنِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَقَعُ إذَا تَمَّ لِعَانُهَا (وَ) يَسْقُطُ (بِفَسْخِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ النِّكَاحَ (لِعَيْبِهَا) كَكَوْنِهَا رَتْقَاءَ أَوْ بَرْصَاءَ وَنَحْوَهُ (وَعَكْسُهُ) كَكَوْنِهِ عِنِّينًا أَوْ أَشَلَّ وَنَحْوَهُ قَبْلَ دُخُولٍ؛ لِتَلَفِ الْمُعَوَّضِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ، فَسَقَطَ الْعِوَضُ كُلُّهُ كَتَلَفِ مَبِيعٍ بِنَحْوِ كَيْلٍ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ (وَ) يَسْقُطُ أَيْضًا كُلُّهُ (بِكُلِّ فُرْقَةٍ مِنْ قِبَلِهَا) (كَإِسْلَامِهَا تَحْتَ كَافِرٍ) قَبْلَ دُخُولٍ (وَكَرِدَّتِهَا وَرَضَاعِهَا لِفَاسِخِ نِكَاحِهَا) كَأَنْ تُرْضِعَ زَوْجَهَا الصَّغِيرَ (أَوْ) تَرْضَعَ وَهِيَ (صَغِيرَةٌ) مِنْ زَوْجَتِهِ الْكَبِيرَةِ (وَبِفَسْخِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (لِإِعْسَارِ) الزَّوْجِ أَوْ عَيْبِهِ (أَوْ عَدَمِ وَفَائِهِ بِشَرْطٍ) شُرِطَ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ قَبْلَ دُخُولٍ (وَكَاخْتِيَارِهَا بِنَفْسِهَا يَجْعَلُهُ) أَيْ: الزَّوْجُ (لَهَا) ذَلِكَ (بِسُؤَالِهَا) إيَّاهَا أَنْ يَجْعَلَهُ لَهَا (قَبْلَ دُخُولٍ) أَوْ خَلْوَةٍ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ بِفِعْلِهَا، وَهِيَ الْمُسْتَحِقَّةُ لِلصَّدَاقِ، فَسَقَطَ بِهِ، وَلَا يَسْقُطُ الصَّدَاقُ بِجَعْلِ الْخِيَارِ إلَيْهَا (بِلَا سُؤَالِهَا لَهُ) فَإِنْ جَعَلَهُ إلَيْهَا كَذَلِكَ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ دُخُولٍ فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهَا نَائِبَةٌ عَنْهُ؛ فَفِعْلُهَا كَفِعْلِهِ (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (لَوْ عَلَّقَهُ) أَيْ: طَلَاقَهَا (عَلَى مَا) أَيْ فِعْلٍ (لَهَا) مِنْهُ (بُدٌّ) كَدُخُولِهَا دَارَ أَجْنَبِيٍّ (وَفَعَلَتْهُ) قَبْلَ الدُّخُولِ (فَلَا مَهْرَ) لَهَا (وَقَوَّاهُ ابْنُ رَجَبٍ) بِمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ تَخْيِيرِهَا فِي نَفْسِهَا إذَا اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَإِنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ، لَكِنْ إنَّمَا تَتِمُّ الْمُشَابَهَةُ إذَا كَانَ بِسُؤْلِهَا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيَتَنَصَّفُ) صَدَاقُهَا (بِشِرَائِهَا زَوْجَهَا) قَبْلَ دُخُولٍ؛ لِتَمَامِ الْبَيْعِ بِالسَّيِّدِ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الزَّوْجِ، فَلَمْ يَتَمَحَّضْ السَّبَبُ مِنْهَا، فَلِذَلِكَ وَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ هَا هُنَا كَالْخُلْعِ؛ (وَ) يَتَنَصَّفُ بِكُلِّ (فُرْقَةٍ مِنْ قِبَلِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ وَ(لَا) يَتَنَصَّفُ صَدَاقُ (مُفَارِقَاتِ مَنْ أَسْلَمَ) عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ الْكِتَابِيَّاتِ قَبْلَ وُجُودِ مَا يُقَرِّرُ الْمَهْرَ، وَاخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا، فَإِنَّ مَا عَدَا هَذِهِ الْأَرْبَعَ يَسْقُطُ مَهْرُهُنَّ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ اضْطَرَّهُ إلَى الْفُرْقَةِ بِالْحَبْسِ وَالتَّغْرِيرِ، وَ(كَطَلَاقِهِ) الزَّوْجَةَ قَبْلَ دُخُولٍ وَلَوْ بِسُؤَالِهَا (وَكَخُلْعِهِ إيَّاهَا، وَلَوْ بِسُؤَالِهَا)؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ بِجَوَابِ الزَّوْجِ (وَكَإِسْلَامِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ إنْ لَمْ تَكُنْ كِتَابِيَّةً (وَكَرِدَّتِهِ وَشِرَائِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (إيَّاهَا) أَيْ الزَّوْجَةَ قَبْلَ دُخُولٍ (وَلَوْ) كَانَ شِرَاؤُهُ إيَّاهَا (مِنْ مُسْتَحِقِّ مَهْرِهَا) وَهُوَ سَيِّدُهَا الَّذِي زَوَّجَهُ إيَّاهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا فِعْلَ فِيهِ لِلزَّوْجَةِ وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ إنَّمَا حَصَلَتْ بِقَبُولِ زَوْجِهَا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ (أَوْ) أَيْ: يَتَنَصَّفُ بِكُلِّ فُرْقَةٍ مِنْ (قِبَلِ أَجْنَبِيٍّ) (كَرَضَاعِ) أُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ أَوْ زَوْجَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ وَزَوْجَةٍ لَهُ صُغْرَى رَضَاعًا مُحَرِّمًا (وَوَطْءُ) أَبِي الزَّوْجِ أَوْ ابْنِهِ الزَّوْجَةَ، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَ وَنَحْوَهُ حَاكِمٌ وَنَحْوَهُ عَلَى مُوَلٍّ. (وَيَتَّجِهُ لَا إنْ) احْتَالَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى تَقْرِيرِ الصَّدَاقِ بِأَنْ (اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ) زَوْجِهَا الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَهُوَ (نَائِمٌ) فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ دُخُولًا، وَلَا يَتَقَرَّرُ صَدَاقُهَا بِهَذَا الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لِلزَّوْجِ فِيهِ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (قَبْلَ دُخُولٍ) لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِلزَّوْجَةِ بِذَلِكَ، فَيَسْقُطُ بِهِ صَدَاقُهَا، وَيَأْتِي فِي الرَّضَاعِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى مُفْسِدٍ بِمَا لَزِمَهُ. (وَلَوْ أَقَرَّ) الزَّوْجُ (بِنَحْوِ رَضَاعٍ) كَنَسَبٍ وَمُصَاهَرَةٍ بِأَنْ يَقُولَ: هِيَ أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعِ أَوَالنَّسَب، أَوْ يَقُولَ: هِيَ حَمَاتِي (قُبِلَ) إقْرَارُهُ (عَلَيْهِ) فِي انْفِسَاخِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ عَلَيْهِ فَأُخِذَ بِهِ، وَ(لَا) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ (عَلَيْهَا) فِي إسْقَاطِ نِصْفِ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْر.
تَنْبِيهٌ:
فَإِنْ صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْمُفْسِدِ لِلنِّكَاحِ، أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ؛ سَقَطَ الصَّدَاقُ؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. (وَيُقَرِّرُهُ) أَيْ: الصَّدَاقَ الْمُسَمَّى (كَامِلًا) حُرَّةً كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ أَمَةً (مَوْتُ) أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ (وَلَوْ بِقَتْلِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ أَوْ) قَتْلِ أَحَدِهِمَا (نَفْسَهُ) لِبُلُوغِ النِّكَاحِ نِهَايَتَهُ، فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الِاسْتِيفَاءِ فِي تَقْرِيرِ الْمَهْرِ، وَلِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْعِدَّةَ عَلَيْهَا، فَأَوْجَبَ كَمَالَ الْمَهْرِ لَهَا كَالدُّخُولِ (أَوْ) كَانَ (مَوْتُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (بَعْدَ طَلَاقِ) امْرَأَتِهِ (فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) الْمَخُوفِ (قَبْلَ دُخُولٍ) لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاءِ إذَنْ، وَمُعَامَلَةٌ لَهُ بِضِدِّ قَصْدِهِ كَالْفَارِّ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْإِرْثِ وَالْقَاتِلِ؛ وَمَحَلُّ ذَلِكَ (إنْ وَرِثَتْ) بِأَنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ تَرْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهَا لَوْ ارْتَدَّتْ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ لَسَقَطَ مَهْرُهَا.
(وَ) يُقَرِّرُ الْمَهْرَ كَامِلًا أَيْضًا (وَطْؤُهَا) أَيْ: وَطْءُ زَوْجٍ زَوْجَتَهُ (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالُ) أَنَّ الْمُعْتَبَرَ وُقُوعُ الْوَطْءِ (مِنْ ابْنِ عَشْرٍ) فَأَكْثَرَ؛ إذْ مَنْ كَانَ سِنُّهُ دُونَهَا وُجُودُ الْوَطْءِ مِنْهُ كَعَدَمِهِ (وَاحْتُمِلَ أَنَّهُ) وَكَذَا لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِهِ (فِي بِنْتِ تِسْعٍ) فَأَكْثَرَ، لِأَنَّهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَتَأَهَّلْ لِوَطْءِ الرَّجُلِ عَادَةً، وَلَا هِيَ مَحَلٌّ لِلشَّهْوَةِ غَالِبًا، يُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ ابْنُ تِسْعٍ عَلَى امْرَأَةٍ، وَأَصَابَهَا وَفَارَقَهَا؛ حَلَّتْ لَهُ بِنْتُهَا؛ إذْ لَا تَأْثِيرَ لِهَذِهِ الْإِصَابَةِ، وَكَذَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِي الْمُبْدِعِ يَجِبُ الْمُسَمَّى بِوَطْءِ أَوْ خَلْوَةِ مَنْ يَطَأُ مِثْلُهُ بِمَنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا بِدُونِ مَانِعٍ عُرْفًا انْتَهَى.
وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فِي فَرْجٍ وَلَوْ دُبُرًا) أَوْ فِي غَيْرِ خَلْوَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ اسْتِيفَاءَ الْمَقْصُودِ، فَكَانَ عَلَيْهِ عِوَضُهُ، فَإِنْ وَطِئَهَا مَيِّتَةً فَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْمَوْتِ.
(وَ) يُقَرِّرُ الْمَهْرَ كَامِلًا (خَلْوَةُ) الزَّوْجِ (بِهَا) وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَزَيْدٍ وَابْنِ عُمَرَ. رَوَى أَحْمَدُ وَالْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قَضَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ أَنَّ مَنْ أَغْلَقَ بَابًا أَوْ أَرْخَى سِتْرًا؛ فَقَدْ أَوْجَبَ الْمَهْرَ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ الْأَحْنَفِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَهَذِهِ قَضَايَا اُشْتُهِرَتْ، وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ أَحَدٌ فِي عَصْرِهِمْ؛ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْمُسْتَحَقَّ وُجِدَ مِنْ جِهَتِهَا؛ فَيَسْتَقِرُّ بِهِ الْبَدَلُ، كَمَا لَوْ وَطِئَهَا. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَنَّى بِالْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْوَطْءُ عَنْ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْخَلْوَةُ بِدَلِيلِ مَا سَبَقَ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ} فَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ قَالَ: الْإِفْضَاءُ الْخَلْوَةُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّ الْإِفْضَاءَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَضَاءِ وَهُوَ الْخَالِي فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَقَدْ خَلَا بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ، إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَتَزُولُ) الْخَلْوَةُ (بِمُمَيِّزٍ، وَلَوْ كَانَ كَافِرًا أَوْ أَعْمَى) نَصًّا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى عَاقِلًا (أَوْ مَجْنُونًا) وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجَانِ مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ، أَوْ الزَّوْجُ مُسْلِمًا وَالزَّوْجَةُ كِتَابِيَّةً (مَعَ عِلْمِهِ) بِأَنَّهَا عِنْدَهُ (وَلَمْ تَمْنَعْهُ) الزَّوْجَةُ مِنْ وَطْئِهَا، فَإِنْ مَنَعَتْهُ مِنْهُ، لَمْ يَتَقَرَّرْ الصَّدَاقُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ التَّمْكِينُ التَّامُّ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْخَلْوَةُ مُقَرَّرَةً، (إنْ كَانَ الزَّوْجُ يَطَأُ مِثْلُهُ) وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ، وَقَدْ خَلَا (وَ) كَانَتْ الزَّوْجَةُ (يُوطَأُ مِثْلُهَا) فَإِنْ كَانَ دُونَ عَشْرٍ وَكَانَتْ دُونَ تِسْعٍ، لَمْ يَتَقَرَّرْ؛ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْوَطْءِ. (وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ) أَيْ: الزَّوْجِ بَعْدَ أَنْ خَلَا بِزَوْجَتِهِ (عَدَمَ عِلْمِهِ بِهَا) لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَقُدِّمَتْ الْعَادَةُ هُنَا عَلَى الْأَصْلِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (فَكَذَا دَعْوَى إنْفَاقِهِ) عَلَى زَوْجَةٍ مُقِيمٍ مَعَهَا (فَإِنَّ الْعَادَةَ هُنَاكَ) أَيْ: فِي الْإِنْفَاقِ (أَقْوَى وَهُوَ) أَيْ: مَا ذَكَرَ مِنْ دَعْوَى إنْفَاقِهِ (مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ) لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا فِي عَدَمِ الْإِنْفَاقِ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَيَأْتِي فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ. (وَلَوْ) كَانَ (نَائِمًا أَوْ بِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (عَمًى) نَصًّا إنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ بِذَلِكَ (أَوْ) كَانَ (بِهِمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ مَانِعٌ حِسِّيٌّ (أَوْ) كَانَ (بِأَحَدِهِمَا مَانِعٌ حِسِّيٌّ كَجَبٍّ) بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ (وَرَتْقٍ) بِأَنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ رَتْقَاءَ أَيْ: مَسْدُودَةَ الْفَرْجِ، أَوْ كَانَتْ هَزِيلَةً. أَوْ مَانِعٌ (شَرْعِيٌّ كَحَيْضٍ وَإِحْرَامٍ وَصَوْمٍ) وَاجِبٍ، فَإِذَا خَلَا بِهَا وَلَوْ فِي حَالٍ مِنْ هَذِهِ تَقَرَّرَ الصَّدَاقُ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ نَفْسَهَا مُقَرِّرَةٌ لِلْمَهْرِ؛ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ، وَلِوُجُوبِ التَّسْلِيمِ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ التَّمْكِينُ التَّامُّ، وَالْمَنْعُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى لَيْسَ مِنْ فِعْلِهَا، فَلَا يُؤَثِّرُ فِي التَّمْكِينِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ النَّفَقَةِ وَيُقَرَّرُ الْمَهْرُ كَامِلًا (لِمَسِّ) الزَّوْجِ الزَّوْجَةَ لِشَهْوَةٍ (وَنَظَرٍ لِفَرْجِهَا لِشَهْوَةٍ) لَا إلَى غَيْرِهِ مِنْ بَدَنِهَا وَلَوْ بِلَا خَلْوَةٍ فِيهِمَا، نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}. الْآيَةَ، وَحَقِيقَةُ الْمَسِّ الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ (وَ) يُقَرِّرُهُ كَامِلًا (تَقْبِيلُهَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ) لِأَنَّ ذَلِكَ نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ، فَأَوْجَبَ الْمَهْرَ كَالْوَطْءِ وَلِأَنَّهُ نَالَ مِنْهَا شَيْئًا لَا يُبَاحُ لِغَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ الْمَهْرُ كَامِلًا (وَلَوْ) كَانَ فِعْلُهُ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ (فِي) نِكَاحٍ (فَاسِدٍ)؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ، الْفَاسِدَ يَنْعَقِدُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الصَّحِيحِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَلُزُومِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالِاعْتِدَادِ مِنْهُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ فِي الْحَيَاةِ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ فِيهِ بِالْعَقْدِ، وَتَقَرُّرِهِ بِالْمُفَارِقَةِ وَبِالْخَلْوَةِ، فَلِذَلِكَ لُزُومُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى فِيهِ كَالصَّحِيحِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ ضَمَانَ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ضَمَانُ عَقْدٍ لِضَمَانِهِ فِي الصَّحِيحِ، وَضَمَانُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ضَمَانُ تَلَفٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ؛ فَإِنَّ ضَمَانَهُ ضَمَانُ عَقْدٍ، قَالَهُ فِي: الْإِنْصَافِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ. (فَالْخَلْوَةُ) حُكْمُهَا (كَالْوَطْءِ فِي تَكْمِيلِ مَهْرٍ وَلُزُومِ عِدَّةٍ وَثُبُوتِ نَسَبٍ) إذَا خَلَا بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَلَوْ فَوْقَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَلَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرْءِ؛ وَلِأَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ؛ فَهِيَ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ (وَفِيهِ) أَيْ: فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ (نَظَرٌ)؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُهُ إلَّا بِالْوَطْءِ وَهُوَ رِوَايَةٌ.
قَالَ فِي: الْإِنْصَافِ وَأَمَّا لُحُوقُ النَّسَبِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: فِي صَائِمٍ خَلَا بِزَوْجَتِهِ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِمُمْكِنٍ، رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: تَلْزَمُهُ، لِثُبُوتِ الْفِرَاشِ، وَهِيَ أَصَحُّ، وَالْأُخْرَى: قَالَ: لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ إلَّا بِالْوَطْءِ انْتَهَى.
وَكَذَا فِي ثُبُوتِ (رَجْعَةٍ) عَلَيْهَا فِي عِدَّتِهَا (وَ) فِي (تَحْرِيمِ أُخْتِهَا) إذَا طَلَّقَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا (وَ) فِي تَحْرِيمِ (أَرْبَعٍ سِوَاهَا) إذَا طَلَّقَهَا (حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا). وَلَا يَتَقَرَّرُ الْمَهْرُ كَامِلًا (إنْ تَحَمَّلَتْ بِمَائِهِ) أَيْ مَنِيِّ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِمْتَاعَ مِنْهُ بِهَا (وَيَثْبُتُ بِهِ) أَيْ: بِتَحَمُّلِ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ (عِدَّةٌ) فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ الْحَمْلِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ بِقَوْلِهِ: (فِي) كِتَابِ (الْعِدَدِ) وَلَا بِتَحَمُّلِهَا مَاءَ الرَّجُلِ، أَيْ: وَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِتَحَمُّلِهَا مَاءَ الرَّجُلِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ مَشَى صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ عَلَى أَحَدِهِمَا هُنَا كَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ، وَمَشَى فِي الْعِدَدِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، وَالْمُعْتَمَدُ مَا مَشَى عَلَيْهِ هُنَا كَمَا فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ (وَ) يَثْبُتُ بِتَحَمُّلِهَا مَاءَ الرَّجُلِ (تَحْرِيمُ أُخْتِهَا وَ) تَحْرِيمُ (أَرْبَعٍ سِوَاهَا، وَكَذَا) يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمُ (مُصَاهَرَةٍ) ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ فَعَلَى هَذَا تَحْرُمُ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ كَمَوْطُوءَتِهِمَا (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ (فِي) قَوْلِهِ فِي بَابِ (الْمُحَرَّمَاتِ) فِي النِّكَاحِ أَوْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ، قَالَ: شَارِحُهُ: أَيْ: مَنِيَّهُ بِقُطْنَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا تَحْرُمُ بِنْتُهَا عَلَيْهِ، لِعَدَمِ الدُّخُولِ بِهَا انْتَهَى.
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ مَا يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ، وَعِبَارَتُهُ: وَلَا يَحْرُمُ فِي مُصَاهَرَةٍ إلَّا تَغْيِيبُ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ، وَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ انْفَرَدَ بِهِ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى هُنَا مَعَ أَنَّهُ مَشَى فِي الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى خِلَافِهِ (وَكَذَا) يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمُ (نَسَبِ) وَلَدٍ حَمَلَتْ بِهِ مِنْهُ وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ (وَلَوْ) كَانَ الْمَنِيُّ الَّذِي تَحَمَّلَتْهُ (مِنْ أَجْنَبِيٍّ) غَيْرِ زَوْجِهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُ ذَلِكَ الْحَمْلِ. (وَيَتَّجِهُ:) أَنَّهُ (لَا) يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدٍ انْعَقَدَ مِنْ (مَاءِ زِنًا) كَمَا لَوْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، فَاسْتَخْرَجَتْ الْمَزْنِيُّ بِهَا مَاءَهُ، فَأَخَذَتْهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى وَ(تَحَمَّلَتْهُ) فَحَمَلَتْ مِنْهُ، أَوْ عَزَلَ الزَّانِي فَأَخَذَتْ الْمَزْنِيُّ بِهَا مَاءَهُ، وَتَحَمَّلَتْهُ؛ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ نَسَبُ ذَلِكَ الْوَلَدِ؛ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ زِنًا مَحْضٍ لَا يُنْسَبُ لِأَبِيهِ؛ وَهُوَ مُتَّجَهٌ. وَ(لَا تَحْصُلُ بِهِ رَجْعَةٌ) فَلَوْ تَحَمَّلَتْ رَجْعِيَّةٌ بِمَنِيِّ مُطَلِّقِهَا لَمْ يَكُنْ تَحَمُّلُهَا رَجْعَةً، وَإِذَا تَحَمَّلَتْ بِمَاءِ أَجْنَبِيٍّ فَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ. (وَلَوْ اتَّفَقَا) أَيْ: الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ الَّتِي خَلَا بِهَا (عَلَى أَنْ لَمْ يَطَأْ) هَا (فِي الْخَلْوَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِهَا لَمْ يَسْقُطْ مَهْرٌ وَلَا) وُجُوبُ (عِدَّةٍ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا؟ مِمَّا يَلْزَمُهُ (وَلَا تَثْبُتُ) بِخَلْوَةٍ (أَحْكَامُ وَطْءٍ مِنْ إحْصَانٍ) فَلَا يَصِيرَانِ مُحْصَنَيْنِ؛ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الزِّنَا (وَحِلُّهَا لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا) فَلَا تَحِلُّ بِالْخَلْوَةِ، بَلْ بِالْوَطْءِ؛ لِحَدِيثِ: «حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك» (وَلُزُومُ غُسْلٍ) إذْ لَا الْتِقَاءَ لِلْخِتَانَيْنِ فِيهَا، (وَ) لَا يَجِبُ بِهَا (كَفَّارَةٌ) إذَا خَلَا بِهَا فِي الْحَيْضِ أَوْ الْإِحْرَامِ (وَلَا) يَثْبُتُ بِهَا (خُرُوجٌ مِنْ عُنَّةٍ وَ) لَا (حُصُولُ فَيْئَةٍ) مِنْ مُولٍ، وَلَا تَفْسُدُ بِهَا الْعِبَادَاتُ (وَ) لَا يَثْبُتُ بِهَا (تَحْرِيمُ رَبِيبَةٍ، وَلَا حُصُولُ رَجْعَةٍ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ مَنُوطَةٌ بِالْوَطْءِ وَلَمْ يُوجَدْ.